الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{عَالِمِ الغيب} بالرفع خبر ابتداء، وبالخفض صفة الله.{قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} الآية: معناه أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظالمين إن قضى أن يرد ذلك، وفيها تهديد للظالمين وهم الكفار، وإن شرطية وما زائدة، وجواب الشرط {فَلاَ تَجْعَلْنِي}، وكرر قوله: {رَّبِّ} مبالغة في الدعاء والتضرع.{ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة} قيل التي هي أحسن لا إله إلا الله، والسيئة الشرك، والأظهر أنه أمر بالصفح والاحتمال وحسن الخلق وهو محكم غير منسوخ، وإنما نسخ ما يقتضيه من مسالمة الكفار.{مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} يعني نزغاته ووساوسه، وقيل: يعني الحنون، واللفظ أعم من ذلك {أَن يَحْضُرُونِ} معناه أن يكونوا معه، وقيل: يعني حضورهم عند الموت {حتى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الموت} قال ابن عطية: حتى هنا حرف ابتداء: أي ليست غاية لما قبلها، وقال الزمخشري: حتى تتعلق بيصفون: أي لا يزالون كذلك حتى يأيتهم الموت {قَالَ رَبِّ ارجعون} يعني الرجوع إلى الدنيا، وخاطب به مخاطبة الجماعة للتعظيم، قال ذلك الزمخشري وغيره، ومثله قول الشاعر:
وقيل إنه نادى ربه ثم خاطب الملائكة {فِيمَا تَرَكْتُ} قيل: يعني فيما تركت من المال، وقيل: فيما تركت من الإيمان فهو كقوله: {أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]، والمعنى أن الكافر رغب أن يرجع إلى الدنيا ليؤمن ويعمل صالحًا في الإيمان الذي تركه أول مرة {كَلاَّ} ردع له عما طلب {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} يعني قوله: {رَبِّ ارجعون} {لعلي أَعْمَلُ صَالِحًا} فسمى هذا الكلام كلمة وفي تأويل معناه ثلاثة أقوال: أحدها أن يقول هذه الكلمة لا محالة لإفراط ندمه وحسرته فهو إخبار بقوله والثاني أن المعنى أنها كلمة يقولها ولا تنفعه ولا تغني عنه شيئًا، والثالث أن يكون المعنى أنه يقولها كاذبًا فيها، ولو رجع إلى الدنيا لم يعمل صالحًا {وَمِن وَرَائِهِمْ} أي فيما يستقبلون من الزمان والضمير للجماعة المذكورين في قوله جاء أحدهم {بَرْزَخٌ} يعني المدة التي بين الموت والقيامة، وهي تحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا وأصل البرزخ الحاجز بين شيئين {فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ} المعنى أنه ينقطع يومئذ التعاطف والشفقة التي بين القرابة؛ لاشتغال كل أحد بنفسه كقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس: 34-35] فتكون الأنساب كأنها معدومة {وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} أي لا يسأل بعضهم بعضًا لاشتغال كل أحد بنفسه، فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور: 25] فالجواب أن ترك التساؤل عند النفخة الأولى ثم يتساءلون بعد ذلك، فإن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف كثيرة.{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} أي تصيبهم بالإحراق {كَالِحُونَ} الكلوح انكشاف الشفتين عن الأسنان، وكثيرًا ما يجري ذلك للكلاب، وقد يجري للكباش إذا شويت رؤوسها، وفي الحديث: إن شفة الكافر ترتفع في النار حتى تبلغ وسط رأسه، وفي ذلك عذاب وتشويه.{غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أي ما قدر عليهم من الشقاء، وقرئ شقاوتنا، والمعنى واحد.{قَالَ اخسئوا} كلمة تستعمل في زجر الكلاب، ففيها إهانة وإبعاد {وَلاَ تُكَلِّمُونِ} أي لا تكلمون في رفع العذاب، فحينئذ ييأسون من ذلك، أعاذنا الله من ذلك برحمته.{سِخْرِيًّا} بضم السين من السخرة بمعنى التخديم، وبالكسر من السخر بمعنى الاستهزاء، وقد يقال هذا بالضم، وقرئ هنا بالوجهين لاحتمال المعنيين، وعلى أن معنى الاستهزاء هنا أليق لقوله: {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ}.{كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض} يعني في جوف الأرض أمواتًا، وقيل: أحياء في الدنيا، فأجابوا بأنهم لبثوا يومًا أو بعض يوم لاستقصارهم المدة أو لما هم فيه من العذاب بحيث لايعدون شيئا {فَسْئَلِ العآدين} أي اسأل من يقدر على أن يعدّ، وهو من عوفي مما ابتلوا به أو يعنون الملائكة {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} معناه أنه بالنسبة إلى بقائهم في جهنم خالدين أبدًا {عَبَثًا} أي باطلًا والمعنى إقامة حجة على الحشر للثواب والعقاب.{لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} أي لا حجة ولا دليل، والجملة صفة لقوله: {إِلَهَا آخَرَ} وجواب الشرط {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} الضمير للأمر والشأن، وانظر كيف افتتح السورة بفلاح المؤمنين وختمها بعدم فلاح الكافرين، ليبين البون بين الفريقين والله أعلم. اهـ.
أي لمن المزالف.ومن قرأ بحذفه فعلى الظاهر لأنك إذا قلت: من رب هذا؟ فجوابه فلان {بَلْ أتيناهم بالحق} بأن نسبة الولد إليه محال والشرك باطل {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قولهم اتخذ الله ولدًا ودعائهم الشريك.ثم أكد كذبهم بقوله: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} لأنه منزه عن النوع والجنس وولد الرجل من جنسه {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إله} وليس معه شريك في الألوهية {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} لانفرد كل واحد من الآلهة بالذي خلقه فاستبدبه ولتمييز ملك كل واحد منهم عن الآخر {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} ولغلب بعضهم بعضًا كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متمايزة وهم متغالبون، وحين لم تروا أثرًا لتمايز المماليك وللتغالب فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء، ولا يقال: {إذًا} لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب وهاهنا وقع {لذهب} جزاء وجوابًا ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل لأن الشرط محذوف وتقديره: ولو كان معه آلهة لدلالة {وما كان معه من إله} عليه وهو جواب لمن حآجه من المشركين {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} من الأنداد والأولاد.{عالم} بالجر صفة لله، وبالرفع مدني وكوفي غير حفص خبر مبتدأ محذوف {الغيب والشهادة} السر والعلانية {فتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} من الأصنام وغيرها.{قُل رَّبّ إِمَّا تُرِيَنّى مَا يُوعَدُونَ} ما والنون مؤكدان أي إن كان لابد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة {رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِى في القوم الظالمين} أي فلا تجعلني قرينًا لهم ولا تعذبني بعذابهم، عن الحسن رضي الله عنه: أخبره أن له في أمته نقمة ولم يخبره متى وقتها، فأمر أن يدعو هذا الدعاء.ويجوز أن يسأل النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهارًا للعبودية وتواضعًا لربه، واستغفاره عليه الصلاة والسلام إذا قام من مجلسه سبعين مرة لذلك، والفاء في {فلا} لجواب الشرط و{رب} اعتراض بينهما للتأكيد {وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لقادرون} كانوا ينكرون الموعد بالعذاب ويضحكون منه فقيل لهم: إن الله قادر على إنجاز ما وعد إن تأملتم فما وجه هذا الإنكار؟.{ادفع بالتى} بالخصلة التي {هِىَ أَحْسَنُ السيئة} هو أبلغ من أن يقال بالحسنة السيئة لما فيه من التفضيل كأنه قال: ادفع بالحسنى السيئة والمعنى أصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الاحسان، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي شهادة أن لا إله إلا الله.والسيئة: الشرك أو الفحش بالسلام أو المنكر بالموعظة.وقيل: هي منسوخة بآية السيف.وقيل: محكمة إذ المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى ثلم دين {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} من الشرك أو بوصفهم لك وسوء ذكرهم فنجازيهم عليه {وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} من وساوسهم ونخساتهم، والهمزة: النخس، والهمزات جمع الهمزة ومنه مهماز الرائض، والمعنى أن الشياطين يحثون الناس على المعاصي كما تهمز الراضة الدواب حثًا لها على المشي {وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ} أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربه المكرر لندائه وبالتعوذ من أن يحضروه أصلًا أو عند تلاوة القرآن أو عند النزع {حتى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الموت} {حتى} تتعلق ب {يصفون} أي لا يزالون يشركون إلى وقت مجيء الموت، أو لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت وما بينهما مذكور على وجه الاعتراض، والتأكيد للإغضاء عنهم مستعينًا بالله على الشيطان أن يستنزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم {قَالَ رَبّ ارجعون} أي ردوني إلى الدنيا خاطب الله بلفظ الجمع للتعظيم كخطاب الملوك {لَعَلّى أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ} في الموضع الذي تركت وهو الدنيا لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى، قال قتادة: ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ولكن ليتدارك ما فرط.
|